:

محمد عباس يكتب: "اجتمعنا في الغربة وتفرقنا في الوطن"

top-news
شركة شحن



في زمن سيطرت فيه القبلية على القيم، وارتفعت فيه أصوات العنصرية فوق صوت الوطن، علينا أن نقف ونسأل أنفسنا: من نحن؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟ لقد عايشتُ السودان بألوانه الحقيقية التي لا تُرسم على خرائط الانقسام، بل التي تتجلى في حياة الناس البسطاء، الذين لم تسألهم البطون الخاوية عن قبائلهم، ولا سألتهم المحن عن جهاتهم، بل جمعتهم المواطنة الحقة، كما يجب أن تجمعنا جميعًا. ثلاث سنوات قضيتها في مصر خلال دراستي الجامعية، لم أكن فيها شماليًا أو جنوبيًا، لم أكن "جلابيًا" أو من "الهامش"، كنا هناك سودانيين فقط، مغتربين عن كل شيء، إلا عن بعضنا البعض. كانت الغربة رحمًا آخر للوطن، حملتنا فيه "السودنة"، وغابت فيه القبائل والجهات. 

ثم عدتُ إلى بلدي لأكمل ثلاث سنوات أخرى في جامعة الجزيرة، وهناك، في داخليات الجامعة، تجلت أبهى صور السودان الحقيقي. أكلنا من إناء واحد، ضحكنا، بكينا، وقفنا معًا في الضيق، وتخرجنا إخوة. لم يكن يهمنا من أي قبيلة جاء زميلنا، بل كان يكفينا أنه جاء بعقله وأخلاقه، وإنسانيته. وما زلت أذكر بكل فخر دفعتنا، الدفعة 13 اقتصاد، فقد كان من أوائلها من أبناء الغرب، وكانوا بحق منارات علمية، وما زالوا نبراسًا في المؤسسات الأكاديمية والبحثية. 

أما في حياتي الأسرية، فقد جمعني النسب مع الشرق والغرب والشمال، وها هي مائدة طعامي اليومية تلتف حولها وجوه من كل بقاع السودان، يضحكون بلهجات مختلفة، لكن بقلوب واحدة. فأين نحن اليوم من هذا السودان؟ كيف أصبح الحديث عن "جلابة" و"هامش" هو السائد؟ من زرع فينا هذه الكراهية؟ ومن روّاها حتى أينعت نارًا تأكلنا؟ لقد آن الأوان أن نعيد تعريف أنفسنا، لا كأبناء قبائل، بل كمواطنين.

 الوطن لا يُبنى بالألقاب القبلية، بل بالعقول والقلوب المتجردة من التعصب. فلتكن المواطنة هي قبلتنا السياسية، وهويتنا المشتركة، ودستورنا الاجتماعي. توصياتي لكل سوداني وسودانية ارفعوا شعار: "الوطن أولًا، والقبيلة في القلب لا في الحكم". 

علّموا أبناءكم أن الانتماء الحقيقي لا يُقاس بالدم، بل بالعمل من أجل السودان. افخروا بالتنوع، فهو ثروة لا لعنة. لا تسمحوا للسياسيين أن يركبوا صهوة القبلية لأجل كراسي زائلة. تذكروا دومًا أن ما جمعنا في الغربة، قادر على أن يوحدنا في الوطن.

 السودان ليس جغرافيا فقط، بل نسيج من البشر، من الشجر، من النيل، من الدموع والأمل. فلنكن أوفياء له كما كان كريمًا معنا. ولنكتب لأطفالنا مستقبلًا لا يُسأل فيه الطفل عن قبيلته، بل عن أحلامه.
القومية تجمعنا والوطن اولا

شركة جريس لاند لخدمات الشحن المختلفة

هل لديك تعليق؟

لن نقوم بمشاركة عنوان بريدك الالكتروني، من اجل التعليق يجب عليك ملئ الحقول التي امامها *